[size=24] التجديد في الشعر
التجديد في العشر
عندما نقول : حديث أو جديد فهذا يدلنا بالتلازم على أن هناك قديم ، إذن هما مفهومان متقابلان في المعنى كما أنهما مرتبطان ارتباطا وثيقا بالواقع التاريخي لمرحلة محددة وليس لهما ثباتا معجميا يصح تنزيله على الواقع في كل وقت ، لذا فجديد اليوم سيكون قديم الغد وهكذا ، إلا أن الحداثة كمفهوم أدبي مؤدلج التصق بمرحلة معينة من تاريخ الأدب الأجنبي لذا كانت الضرورة توجب تسمية المرحلة التي تليها بمرحلة ما بعد الحداثة ، وفي رأيي أن سبب ذلك هو توافر الكم الأكثف من أساليب التحديث ومدارسه في هذه المرحلة أكثر مما قبلها بحيث أخذت شكل الثورة التي طالت كل شيء في بنية الأدب .
إذاً فالتحديث ببساطة هو إضافة الابتكار والإبداع الحديث على الأصل القديم ، وبما أننا نسمه بهذا الوصف الذي يحمل في دلالته معنى الجدة والحالية فهذا يجعله ممتنعا على التوصيف والتحديد الاصطلاحيين ، حيث أن الحديث لم يحظ بعد بالعمر الزمني الكافي ليصطلح عليه أحد ، بينما عرفته جين أوستن عند تناولها له كمفهوم إيديلوجي أدبي بأنه :
” حاله من التغير ، ربما للأفضل ” .
لذا يبقى التحديث مجهول الماهية معلوم السمة والأثر ، فكل ابتكار شعري سواء كان في النسق أو في الصورة أو في المفردة أو في العبارة أو في الشكل أو في المضمون أو في أي شيء آخر ما دام أنه يتماشى مع أصول الذائقة العامة ولا يخل بقوانين الشعر الضمنية ويتصف بترك الأثر الانفعالي اللذيذ لدى المتلقي شأنه شأن كل إبداع بكر يغمر المرء بالمتعة والانبهار والبهجة فهو تحديث وتجديد معتبر وهو والحال كهذه مستند مستقل لإنجاح القصيدة ، ولذا يكرر : عزرا باوند مقولته ” اجعلها جديدة ” .
ورغم صعوبة حد التحديث والحداثي والحديث حدا معجميا جامعا مانعا إلا أنه يتميز ببعض السمات المظهرة له، فهو عادة يأتي بأشكال مفاجئة وحادة مغايرة للسائد ومعلنة رفضها للأشكال الثابتة والسلطة الثقافية الراكدة في ذوق برجوازي عام ، ولعل أبرز سماته هي نقل القصيدة من حافة المعنى البسيط المباشر إلى مندوحة الترميز الواعي والغموض الشفاف والاحتمالات المفتوحة .
وإليك مثالان أحدهما تقليدي والآخر حديث لترى التفاوت بينهما في القالب اللفظي العام أو في قرب المعنى وبعده .
يقول ضيدان بن قضعان :
يا وجودي كل ما هب نسناس الشمال …… وجد من حده زمانه على اللي ما يبيه
ويا وجودي كل ما اضحيت ثم مال الظلال ….. لا غفت عيني ولا ذقت شيِ مشتهيه
فيما يقول مهدي بن سعيد :
هذي حياة آدم : ثقة .. صبر .. تشكيك …….. يا عيون حوا حاولي تفهمينه
من بعثرت كينونته لمسة يديك ………….. مشغول ، يبني من خرابك مدينة