إن مصطلح الحصار ("طوق" كما يسميه الجيش) يعني إحاطة منطقة معينة والمنع التام أو الجزئي لمرور المواطنين إلى داخل المنطقة أو الخروج منها من خلال عزل هذه المنطقة عن المناطق الأخرى. وقد درج الجيش في الضفة الغربية على فرض الحصار من خلال الإغلاق المحسوس بالمعيقات لطرق الوصول إلى منطقة معينة بطريقة تقيد الوصول إلى المنطقة ذهابا وإيابا إلا من خلال حواجز معززة. وتتفاوت الصرامة التي يتم فرضها من مكان إلى آخر ومن آن إلى آخر. إن أول من يتضرر من الحصار، بصورة دائمة تقريباً، هم سكان القرى التي تبقى خارج المنطقة المحاصرة الذين يتعلقون بالخدمات المتوفرة في المنطقة المحاصرة.
إن استعمال الحصار بوتيرة عالية يعتبر من العلامات المميزة للانتفاضة الثانية. في السنوات الأولى من الانتفاضة، فرض الجيش الحصار على مناطق كثيرة في الضفة الغربية (خاصة مناطق A) غير انه تم رفعه بمرور الوقت عن غالبية المناطق. ومع هذا، فإن الحصار الجزئي الذي يختلف مداه من آن إلى آخر ما يزال يُفرض بصورة متواصلة على مدينة نابلس وضواحيها ويتم توسيعه من آن إلى آخر إلى مناطق أخرى في شمالي الضفة الغربية، خاصة جنين وطولكرم. بدءا من شهر أيار 2005، يتم فرض الحصار، لكن بصيغة مختلفة بعض الشيء، على منطقة
غور الأردن. وبخلاف الحصار المفروض على نابلس، فإن التقييد الأساسي المفروض في إطار الحصار على غور الأردن يتعلق بدخول الفلسطينيين الذين ليسوا من سكان المنطقة إلى المنطقة، في الوقت الذي تتعلق حركة المسجلين كمواطنين في الأغوار "فقط" بالفحص في الحواجز المنصوبة على شوارع الوصول.
الحصار على منطقة نابلس
منطقة نابلس- التي تضم مدينة نابلس ذاتها، ثلاثة مخيمات للاجئين، 15 قرية وأكثر من 200 ألف مواطن- خاضعة للحصار منذ أكثر من ستة أعوام. يتيح الجيش الدخول إلى هذه المنطقة والخروج منها فقط عن طريق أحد الحواجز الأربعة التي تحيط بالمنطقة وفقط بعد خضوع كل شخص لفحص صارم، أو السيارة أو البضائع التي تدخل إلى المدينة، وخاصة الذين يخرجون من المنطقة المحاصرة. وقد قام الجيش بإغلاق جميع المداخل والمخارج الأخرى لهذه المنطقة بواسطة مختلف أنواع المعيقات المحسوسة.
بالإضافة إلى تقييد الدخول والخروج من منطقة نابلس، تفرض إسرائيل بين الفينة والأخرى قيود جماعية على سكان المنطقة. وتمنع هذه القيود بصورة تامة الخروج من المنطقة المحاصرة، باستثناء من يملك تصريحا خاصا- تصريح الحركة وقت الطوق. وبصورة عامة، لا يقوم الجيش بإصدار تصاريح المرور عبر الطوق للاحتياجات "الروتينية" مثل العمل، الزيارات العائلية أو الدراسة، بل للاحتياجات التي تعتبرها السلطات "إنسانية"، مثل العلاج الطبي.
إن القيود الجماعية التي تفرضها السلطات بين الفينة والأخرى منذ العام 2002، تتناول بشكل عام الرجال والفتية ضمن فئات عمرية معينة، وبشكل عام في الأجيال ما بين 16- 35. ويتم في بعض الأحيان فرض القيود على النساء والفتيات. في العام 2006 فقط كانت هذه القيود على حرية الحركة والتنقل سارية المفعول على مدار أكثر من تسعة أشهر. منذ بداية العام 2007 ولغاية شهر آب تم فرض هذه القيود على مدار ما لا يقل عن 45 يوماً.
إن ما يلحق بسكان المنطقة المحاصرة من ضرر بفعل هذه القيود هو ضرر شامل وعميق ويتناول جوانب أساسية في نسيج الحياة: يفقد الكثيرون من سكان المناطق المحاصرة أماكن عملهم وقدرتهم على إعالة أبناء عائلاتهم؛ لا يقدر التلاميذ والطلاب على استكمال دراستهم وتقديم الامتحانات النهائية؛ عدم الحصول على العلاج الطبي بصورة منتظمة وكذلك الخدمات الأخرى التي يُحرم منها سكان القرى المجاورة؛ تمزيق شمل العائلات وغيرها من الجوانب. إن هذه القيود تُلحق ضررا بالغاً أكثر على ضوء طابعها الجارف والمتواصل.
ردا على الالتماس الذي قدمته جمعية حقوق المواطن وطالبت من خلال برفع الطوق والقيود على حرية الحركة والتنقل في منطقة نابلس، ادعى الجيش أن الطوق على المدينة يتيح الإشراف والرقابة على الخارجين من المدينة والداخلين إليها ويُسهِّل على قوات الأمن إحباط المحاولات لتنفيذ العمليات. وأضاف الجيش بأن القيود الجماعية حيوية هي الأخرى لأنه لا يمكن إجراء فحص أساسي وكاف لكل شخص يمر عبر حواجز الطوق وكذلك لأن "الاستخبارات الموجودة غير تامة ولا تملك قوات الأمن طيلة الوقت قائمة كاملة بأسماء المعتدين الذين يسكنون في منطقة المدينة الذين ينوون تنفيذ العمليات".
إن القيود الجماعية المفروضة على منطقة نابلس المحاصرة هي وسيلة إضافية إلى الكثير من الوسائل الأخرى التي يستعملها الجيش في المنطقة بصورة جارفة ومتواصلة، وفي مقدمتها الحصار. بناء على ذلك، لا يمكن تبرير هذه الوسيلة الخطيرة حتى لو كانت تعود بفائدة معينة وتساعد في تحقيق الأهداف الأمنية التي من أجلها تم فرض القيود. وهذا لأنه من الصعب العثور على علاقة معقولة بين الأفضلية الأخرى التي يتم تحقيقها، طبقا لادعاء الجيش، من خلال فرض القيود وبين الضرر غير المعقول الذي تُسببه هذه القيود للسكان في المنطقة. علاوة على ذلك، حتى لو سلمنا مع الادعاء بأنه لا يمكن فرض القيود بصورة اختيارية أكثر على حرية الحركة والتنقل بالنسبة للسكان في المنطقة الذين قد يشكلون حقا تهديدا أمنيا، وأن القيود لا تهدف إلى العقاب بل لتحييد التهديدات القائمة فقط، فلا مناص من الاستنتاج أن الحديث يدور عن نوع من العقاب الجماعي المحظور تماما، طبقا للقانون الإنساني الدولي.