أيها المسلمون.. إن أعداءكم اليهودُ والصليبيون.. وأتباعهُم.. يعلمون ونَعلم أنّ الذين يدخلون في دين الإسلام في ازدياد وتنامي على الرّغم من كلّ الظروف والمتغيّرات والأحداث والمقاومات. فمهما أساءوا ومهما شوهوا أو رسموا فإن الله سيفكي نبيه صلى الله عليه وسلم المستهزئين.. أو ليس الله جل وعلا ، هو القائلُ: { إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إِلـهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ} وقال سبحانه {واللهُ يعصِمكَ منَ الناسِ}
وسينزل بهؤلاء الصليبين وأعوانهم ما كانوا به يستهزئون.. قال عز من قائل{ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } أيّها المؤمنون.. ودليلُ ذلك حفظُ الله للقرآن والسنة ، ولسيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم.. لقد كانت ولا زالت سيرةُ الحبيب صلى الله عليه وسلم سيرةً ومسيرة جليّةَ المعالم، كلّها حقٌّ، وكلّها صدق، توثيقاً وكتابة، وقراءة وبحثاً، واستيعاباً واستنباطاً. لم تُحفَظ قصةُ حياةٍ ولا سيرة رجل ولا مسيرة بطل مثلما حُفظت سيرةُ نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. سيرةٌ لم تلحقها الأساطير والأوهام، وإنّها لإحدى الدلائل التي حفظها الله لتكونَ شاهداً على صدق هذه الرسالة المحمدية.
لقد ضمّت السيرةُ النبوية جميعَ شؤون رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفاصيل حياته وأطوار عمره، من الولادة والرضاعة والطفولة والشباب والكهولة، في حياته قبلَ النبوة، من صدقه وأمانتِه . ثمّ بعثته ومواقف قومه العدائية له صلى الله عليه وسلم، ومقاومتهم له ، وما واجهوه به من اتهاماتٍ بالسحرٍ والجنون والكذب، وما لاقاه من ضرب وشج لوجه الكريم، وكسر لرباعيته.
وبعد تمكنه منهم بفتح مكة قال لهم (اذهبوا فأنتم الطلقاء) ... حرمَ نفسهُ حتى من رؤيةِ النصرِ الذي حققه بفتح مكة، فقد سارَ في موكبِ نصرهِ يومَ الفلسطين هى الاساس، حانياً رأسهُ على صدره حتى تعذرَ على الناسِ رُؤيةَ وجهه الشريف، مُردداً بينهُ وبينَ نفسهُ ابتهالاتِ الشُّكرِ المبللةِ بالدموع الكريمة، رافعاً إيَّاها في حياءٍ إلى ربِّهِ العليِّ الكبير، حتى وصلَ الكعبة. وخطب خطبة المعروفة.
وبعد الاستقرار في المدينة وبعد العزة والدولة والنصر والتمكين.. وحينَ رأى بعضُ القَادِمين عليهِ يَهابُونُهُ في اضطرابٍ ووجل، قال لهم: ( هَوِّنوا عليكم، إنَّ أُمي كانت تأكلُ القَدِيدَ بمكة ) أمّا حياتُه الشخصية فقد نقل لنا العلماء الأثبات تفاصيلَ أوصافه الجسدية من الطول واللّون والهيئة والمشية وحياته اليوميّة من قيامه وجلوسه ونومه ويقظته وضحكه وغضبه وأكله وشربه ولباسه وما يحبّ وما يكره وعبادته في ليله ونهاره، وحياته مع أهل بيته وفي مسجده وأصحابه مع الأصدقاء ومع الغرباء وفي السفر وفي الحضر، ناهيكم عن أخلاقه الكريمة من التواضع والحلم والحياء والصبر وحسن العشرة، بحيث لم يبقَ شيء من حياته مخفياً أو مكتوماً، إذا دخل بيته فهو بين أهله وخدمه وأولاده، وإذا خرج فهو مع الأصحاب، وكلّ ذلك منقولٌ محفوظ، فهو النبيّ الرسول، والرسول الإمام، والإمام الحاكم، والرسولُ الزوج، والرسول الأب، والرسول المجاهد، والرسولُ المربي، والرسول الصديق، الرسول الرحيم الرؤوف.
أيها المسلمون.. إن محمداً.. صلى الله عليه وسلم اشفقُ وأرحمُ بأحِدنا من أمه عليه ، قال سبحانه { َقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } قال العلامة ابن سعدي رحمه الله تعالى :" هذه المنة التي امتن الله بها على عباده هي اكبرُ النعم بل اجلُها وهي الإمتنان عليهم بهذا الرسول الكريم الذي أنقذهم الله به من الضلالة وعصمهم به من التهلكة " أ – هـ عباد الله... محمد صلى الله عليه وسلم أنموذجُ الإنسانية الكاملة، وملتقى الأخلاق الفاضلة.